الحرب التجارية: إنقاذ مصنع الصلب الأخير في بريطانيا من الإغلاق بالتأميم

قررت المملكة المتحدة العودة إلى نهج التأميم، مع إعلان الحكومة سيطرتها على آخر مصانع الصلب في البلاد “سكنثورب”. اتخذت بريطانيا هذا القرار بعد تأثر المصنع بشدة بالأزمات الاقتصادية والتوترات التجارية العالمية، متجسدة في تأثير الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. يأتي ذلك في سياق تحول عالمي يعزز النزعات الوطنية ويعيد تقييم الاعتماد الاقتصادي على الاستثمارات الأجنبية.

رحلة مصنع “سكنثورب” بين التأميم والخصخصة

تم تأميم المصنع لأول مرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، لينتقل لاحقًا للقطاع الخاص خلال حقبة مارغريت ثاتشر. وفي عام 2020، باعته بريطانيا لشركة صينية، ليبقى آخر منتج للصلب الخام في البلاد. لكن الظروف الاقتصادية والتجارية دفعت الحكومة لفرض سيطرتها عليه مجددًا عبر تصويت برلماني استثنائي. ترمي هذه الخطوة إلى ضمان استمرار تشغيل المصنع وتأمين وظائف 2700 عامل.

الأبعاد التجارية والسياسية للقرار

يقع القرار البريطاني في خضم صدامات اقتصادية كبرى تشمل التراجع عن العولمة وتوترات التجارة بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا. بالإضافة إلى ذلك، تسعى القوى الأوروبية للحفاظ على إنتاج الصلب المحلي كجزء من استراتيجيات الأمن القومي. وبدوره، أثر فرض ترامب رسومًا جمركية تناهز 25% على واردات الصلب بشدة في القطاع الاقتصادي البريطاني.

الخطوات الحكومية لحماية المصنع

اتخذت الحكومة عدة إجراءات سريعة لضمان استمرار تشغيل “سكنثورب”، منها إرسال شحنات الفحم بشكل فوري لتأمين الإنتاج. ورغم الخطوة المثيرة للجدل، أعلنت الحكومة أنها تستهدف دعم المصنع بشكل مؤقت فقط، إذ تبحث عن مستثمرين جدد أو خطط تحويلية تعتمد على الطاقة الكهربائية بدلاً من الفحم.

القلق الدولي من النزعة القومية الاقتصادية

أثارت سيطرة بريطانيا على المصنع توترات مع الصين، التي طالبت بالعدالة في التعامل مع شركاتها. ويأتي ذلك أيضًا وسط تصاعد المخاوف في أوروبا والولايات المتحدة من تأثير الاستثمارات الأجنبية في القطاعات الاستراتيجية مثل الصلب. بينما تصف الحكومة البريطانية تحركها بكونه ضرورة اقتصادية وأمنية، يرى النقاد أنه يعكس توجهًا عالميًا للانغلاق الاقتصادي.

توقعات مستقبلية لإعادة صياغة الاقتصاد

يشير خبراء إلى أن قضية مصنع “سكنثورب” تُبرز تحولًا عالميًا نحو تقليص انفتاح الأسواق وإعادة التفكير في خصخصة القطاعات الحيوية. تُطرح الآن دعوات لإعادة تأميم قطاعات أخرى كالمياه والسكك الحديدية. وفي ظل التوترات التجارية المستمرة، يبدو أن النزعة القومية الاقتصادية ستواصل الصعود، مع تعاظم المخاوف من المستقبل الاقتصادي العالمي وعدم وضوح وجهة التحالفات التجارية المقبلة.

close