مستقبل التعليم في مصر: هل نحن بعيدون عن رؤية طه حسين؟

مهنة التعليم تُعد من أعظم وأصعب المهن التي عرفتها الإنسانية، فهي تعتمد على بناء العقول وتشكيل النفوس، وبالتالي فهي مهنة ذات تأثير بعيد المدى في تطوير المجتمعات. المعلم لا يقوم فقط بنقل المعرفة، وإنما يعمل أيضًا كمرشد وموجه يعزز التنمية الأخلاقية والروحية والبدنية لطلابه، مما يجعل مسؤوليته مضاعفة في عالم تزداد فيه التحديات والمتغيرات بشكل يومي.

أعباء التعليم المتزايدة في العصر الحديث

في ظل تطورات المجتمع وتراكم المعارف بسرعة كبيرة، أصبحت مسؤوليات المعلمين أكثر تعقيدًا واتساعًا. في الماضي، كانت مهام المعلم تتمثل في نقل أساسيات المعرفة والمهارات، ولكن اليوم يجب أن يصل تأثيره إلى جميع الطبقات والمناطق، بعيدًا عن الاقتصار على فئة معينة. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك المعلم دورًا محوريًا في تعزيز القيم الإنسانية وتكوين شخصية الطالب على نحو متكامل.

قرارات شاقة تزيد العبء على المعلمين

القرارات الجديدة التي تفرضها وزارة التربية والتعليم في مصر أضافت المزيد من الأعباء الثقيلة على عاتق المعلمين. من أمثلة ذلك: إلزام المعلمين بتصحيح كميات هائلة من الكراسات يوميًا، ورصد درجات التقييمات بشكل منتظم، بجانب توزيع الاختبارات الأسبوعية في جميع المواد. هذا النظام لا يثقل المعلم فقط، بل يشكل ضغطًا رهيبًا على الطلاب، حيث لا يتيح لهم أي فرصة للراحة أو التغيب الطارئ دون أن يؤثر ذلك على مستوياتهم الدراسية.

التحديات الميدانية التي تواجه التعليم

يزيد الوضع سوءًا عندما تصب الوزارة تركيزها على التفاصيل الإدارية بدلاً من الجوانب التربوية. لجان المتابعة غالبًا ما تبحث عن الأخطاء الشكلية مثل المطابقة بين كشوف الحضور والنتائج المدونة، بدلاً من الاهتمام بمستوى الفهم والتحصيل الفعلي للطلاب. هذه الأساليب لا تعكس التركيز على المنتج التعليمي الحقيقي، بل تحول التعليم إلى عبء إداري مرهق.

الضغط النفسي والبدني على جميع الأطراف

الأعباء المتزايدة لا تؤثر فقط على أداء المعلم، بل تمتد لتضع الطلاب تحت ضغط غير مبرر أيضًا. الحضور الإجباري والاختبارات المكثفة يجعل من الحياة المدرسية عبئًا على الطلاب والمعلمين على حد سواء، وهو ما يؤدي إلى تداعيات صحية ونفسية خطيرة في بعض الأحيان. الأمثلة واضحة من حالات الانهيار الجسدي لبعض المسؤولين التربويين جراء الضغط الكبير.

الحاجة إلى نهج أكثر إنسانية

لإصلاح التعليم، يجب التركيز على تعزيز العلاقات الإنسانية بين جميع أطراف العملية التعليمية. فالمدير الناجح هو من يعرف كيف يوجه ويدعم فريقه بأسلوب محترم وبنّاء، دون اللجوء إلى الضغط غير المبرر أو النقد الجارح. التعليم الحقيقي يزدهر في بيئة داعمة تشجع التعاون والاحترام المتبادل بين الجميع.

ختامًا، لا بد أن تُراجع السياسات الحالية لضمان تحقيق توازن بين الجوانب الإدارية والتنموية للعملية التعليمية، مع التركيز على جودة التعليم وتحقيق مصلحة كل من الطلاب والمعلمين.

close