كتب جاك جندو، رائد أعمال وخبير في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، والرئيس التنفيذي لشركة “Brain Digits” ، لـ”النهار”:يتسابق العالم لإدخال الذكاء الاصطناعي في المدارس، وهو ما يبدو للوهلة الأولى خطوة لا مفر منها لمواكبة المستقبل. ولكن السؤال الجوهري هو: هل نحن نستخدمه بالشكل الصحيح، أم أننا نعيد أخطاء الماضي بوسائل أكثر تقدمًا؟ اليوم، نرى أنظمة تعليمية تقليدية تحاول التأقلم مع الذكاء الاصطناعي دون إعادة تصميم جوهرها. فالمشكلة ليست فقط في إدخال الأدوات الرقمية، بل في طريقة استخدامها. هل يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي حلاً سحريًا يعوض ضعف الأنظمة التعليمية؟ أم أنه مجرد أداة يمكن أن تساهم في تحسين التعليم إذا استُخدمت بذكاء؟ ماذا يمكن أن يفعل الذكاء الاصطناعي في التعليم اليوم وغدًا؟من الناحية النظرية، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحدث ثورة في التعليم:التعلم الغامر (Immersive Learning) – يمكننا الآن محاكاة الأحداث التاريخية باستخدام التوائم الرقمية، حيث يستطيع الطلاب التجول داخل الحقبات الزمنية القديمة بفضل تقنيات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي. تخيل أن يختبر الطالب سقوط القسطنطينية أو الثورة الفرنسية وكأنه كان هناك! الطب والعلوم الطبيعية – يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الطلاب على التفاعل مع خلايا بشرية افتراضية في مادة الأحياء أو تحليل الجزيئات الكيميائية ثلاثية الأبعاد لفهم التفاعلات بشكل عملي لا يمكن تحقيقه بالطرق التقليدية. الأدب واللغات – يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلل الأساليب الأدبية المختلفة ويعيد كتابة النصوص بأساليب متعددة، مما يساعد الطلاب على فهم الفروقات اللغوية والبلاغية بين العصور المختلفة.ولكن السؤال الأهم: هل هذه الأدوات ستعزز الإبداع والتفكير النقدي، أم أنها ستُستخدم كاختصارات تُضعف القدرات العقلية؟ جاك جندو، رائد أعمال وخبير في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، والرئيس التنفيذي لشركة “Brain Digits” كيف نمنع الذكاء الاصطناعي من أن يصبح بديلاً عن التفكير البشري؟الحل ليس في مقاومة الذكاء الاصطناعي، بل في تغيير منهجية التعليم بالكامل. لا يمكننا تحذير الطلاب من الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي بينما نُعلمهم بنفس الطرق التقليدية القديمة. لذلك، يجب أن نركز على استراتيجيات حديثة مثل: التعلم القائم على المشاريع (Project-Based Learning): بدلًا من حفظ المعلومات، يجب أن يتعلم الطلاب كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة لتحليل البيانات وبناء مشاريع حقيقية، مثل تطوير تطبيقات تحل مشكلات اجتماعية.التعلم القائم على الاستكشاف (Inquiry-Based Learning): بدلاً من تلقين المعرفة، يتم وضع الطلاب أمام أسئلة حقيقية ويُطلب منهم البحث عن حلول باستخدام الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة، وليس كبديل عن التفكير النقدي.التعلم التكيفي (Adaptive Learning): حيث يتلقى كل طالب منهجًا مخصصًا له حسب مستواه باستخدام الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على تنمية مهارات التحليل والتفكير وليس فقط تلقين المعلومات. الحرب الخفية: الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تعليمية بل ساحة صراع عالميما لا يدركه كثيرون أن الذكاء الاصطناعي في التعليم ليس مجرد تطور طبيعي، بل هو جزء من سباق عالمي بين القوى الكبرى. الدول التي تهيمن على هذا المجال ستكون الأكثر قدرة على التأثير في الجيل القادم. الصين، على سبيل المثال، استثمرت مليارات الدولارات لجعل الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا من التعليم، بينما تحاول الولايات المتحدة وأوروبا موازنة تقدمها في هذا المجال. لكن الصراع ليس فقط بين الدول، بل بين الشركات التقنية الكبرى. جوجل، مايكروسوفت، وأمازون كلها تسعى للسيطرة على أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم، مما يطرح سؤالًا مهمًا: هل نحن نتحكم في التكنولوجيا التي نستخدمها في مدارسنا، أم أنها تتحكم بنا؟ كيف سيحدد التعليم مستقبل كل شيء آخر؟التعليم ليس مجرد مدرسة، بل هو النظام الذي يُشكل كل جوانب حياتنا، من الاقتصاد إلى السياسة. فكيف يمكن أن يؤثر الذكاء الاصطناعي على هذه المجالات؟ الاقتصاد: الذكاء الاصطناعي في التعليم سيحدد من سيمتلك المهارات المستقبلية، ومن سيُترك وراءه. هل نحن نُعد الطلاب لوظائف ستختفي، أم نعلمهم كيف يصنعون وظائفهم الخاصة؟ السياسة والمجتمع: الدول التي تفشل في تحديث مناهجها التعليمية ستفقد نفوذها العالمي. لن يكون هناك مستقبل لدولة لا تدمج الذكاء الاصطناعي في تعليمها بطريقة ذكية ومسؤولة. القيم والثقافة: إذا كان الذكاء الاصطناعي هو من يحدد ما يدرسه الأطفال، فمن يضمن أنه لا يبرمجهم وفقًا لأجندات معينة؟ المستقبل يحتاج إلى وعي تكنولوجي قوي، وليس مجرد استهلاك غير نقدي. الذكاء الاصطناعي ليس المشكلة، بل كيف نستخدمهنحن لا نعيش في عصر الذكاء الاصطناعي فقط، بل في عصر الخيارات الحاسمة. استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم يمكن أن يكون فرصة استثنائية لتمكين الأجيال القادمة، ولكنه يمكن أن يكون أيضًا فخًا يجعل الطلاب أقل إبداعًا وأكثر اعتمادًا على الآلات. المشكلة ليست في التكنولوجيا، بل في المنظومة التعليمية التي تتعامل معها. إذا لم نغير طرق التدريس، فإن الذكاء الاصطناعي لن يكون أداة تمكين، بل وسيلة لتعميق الفجوات بين المتقدمين والمتأخرين. المستقبل لا يُبنى بالصدفة، بل بالاختيارات الذكية. فهل نحن مستعدون لاتخاذ القرارات الصحيحة قبل فوات الأوان؟